استهداف مطار بورتسودان: تصعيد جديد في أزمة السودان
في هجوم يعكس تصاعد التوترات في السودان، استهدفت خمس مسيرات انتحارية مطار بورتسودان، المحور اللوجستي للحكومة، في 4 مايو 2025، مما يثير تساؤلات حول مستقبل النزاع المستمر.
تفاصيل الهجوم
في صباح يوم السبت 4 مايو 2025، دوت أصوات الانفجارات في سماء بورتسودان، المدينة الساحلية التي أصبحت العاصمة الإدارية الفعلية للسودان. استهدفت خمس طائرات مسيرة انتحارية مطار بورتسودان الدولي خلال نصف ساعة، مما أدى إلى تصاعد أعمدة دخان كثيفة من محيط المطار. ووفقاً لتقارير إعلامية ومنشورات على منصة إكس، لم يسفر الهجوم عن خسائر بشرية، لكنه تسبب في انقطاع الكهرباء في بعض المناطق المجاورة.
لم تعلن أي جهة مسؤوليتها بشكل رسمي عن الهجوم، لكن الأصابع تتجه نحو قوات الدعم السريع أو فصائل متحالفة معها، نظراً لتاريخها في استخدام المسيرات في هجمات مماثلة. الجيش السوداني، من جانبه، أكد جاهزيته للتصدي للتهديدات الجوية، مشيراً إلى نجاحه في إسقاط مسيرات في هجمات سابقة.
أهمية مطار بورتسودان
منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023، أصبح مطار بورتسودان العمود الفقري للعمليات اللوجستية في السودان. بعد تدمير مطار الخرطوم الدولي وسيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من العاصمة، تحول المطار إلى المنفذ الجوي الرئيسي لنقل المسؤولين الحكوميين، الإمدادات العسكرية، والمساعدات الإنسانية. كما تستضيف المدينة وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، مما يجعل المطار مركزاً حيوياً للعمليات الإنسانية.
استهداف المطار يحمل دلالات رمزية وسياسية، إذ يُعد تحدياً مباشراً لسيطرة الحكومة. كما أن تعطيله قد يؤثر على تدفق المساعدات، مما يفاقم معاناة ملايين النازحين في ظل أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بـ"الكارثية".
سياق النزاع السوداني
بدأ النزاع في السودان في 15 أبريل 2023، عندما اندلعت مواجهات بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني أشعلت الحرب، التي تركزت في البداية في الخرطوم ودارفور، قبل أن تمتد إلى ولايات أخرى.
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تسببت الحرب في مقتل أكثر من 61,000 شخص في الخرطوم وحدها حتى نوفمبر 2024، مع نزوح حوالي 8 ملايين شخص. كما شهدت الحرب استخداماً متزايداً للطائرات المسيرة، التي أصبحت أداة فعالة في استهداف البنية التحتية. هجمات سابقة على مطار مروي ومواقع عسكرية أخرى تُظهر تصاعد القدرات التكنولوجية للأطراف المتحاربة.
التداعيات السياسية
يأتي الهجوم في وقت تواجه فيه الحكومة السودانية تحديات داخلية وخارجية. داخلياً، تتزايد التوترات القبلية في شرق السودان، خاصة بين قبائل البجا وغيرها، مما يهدد استقرار بورتسودان. كما أن هناك مخاوف من نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة داخل الجيش، التي قد تستغل الفوضى لتعزيز أجندتها.
خارجياً، أثارت الحرب مخاوف من تدخلات إقليمية. تُتهم دول مثل الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، بينما يُزعم أن مصر تدعم الجيش. هذه التدخلات تهدد بتحويل النزاع إلى حرب بالوكالة، مما يعقد جهود الوساطة التي تقودها السعودية والولايات المتحدة. حتى الآن، فشلت هذه الجهود في تحقيق وقف إطلاق نار دائم.
التداعيات العسكرية
يُظهر الهجوم قدرات متقدمة للجهة المنفذة، سواء كانت قوات الدعم السريع أو فصيلاً آخر. استخدام خمس مسيرات في هجوم منسق يشير إلى دعم لوجستي وتكنولوجي، ربما من جهات خارجية. في المقابل، يعكس غياب الخسائر البشرية فعالية أنظمة الدفاع الجوي للجيش، التي نجحت في التصدي لهجمات مماثلة.
ومع ذلك، قد يدفع الهجوم الجيش إلى تعزيز دفاعاته حول بورتسودان، مما قد يزيد التواجد العسكري ويثير استياء السكان المحليين. كما أن استمرار الهجمات على البنية التحتية قد يُضعف قدرة الحكومة على إدارة الأزمة.
التداعيات الإنسانية
تُعد الأزمة الإنسانية في السودان من أسوأ الأزمات العالمية. وفقاً للأمم المتحدة، نزح أكثر من 14,000 أسرة من ولاية النيل الأزرق، مع تدهور الأوضاع في دارفور والخرطوم. استهداف مطار بورتسودان يهدد بتعطيل تدفق المساعدات، التي تعتمد على المطار كمركز للتوزيع.
كما سجلت منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، انتهاكات خطيرة بحق المدنيين، بما في ذلك القتل والنهب. غياب المحاسبة يعزز الإفلات من العقاب، مما يزيد من معاناة السكان.
الخاتمة
يُمثل هجوم 4 مايو 2025 على مطار بورتسودان نقطة تحول خطيرة في النزاع السوداني. الهجوم ليس مجرد عملية عسكرية، بل محاولة لتقويض سلطة الحكومة وتعطيل البنية التحتية الحيوية. في ظل فشل الوساطة الدولية وتزايد التدخلات الخارجية، يتجه السودان نحو مزيد من الفوضى، مع تداعيات كارثية على الملايين من المدنيين.
على المجتمع الدولي تكثيف الجهود لفرض وقف إطلاق نار فوري، فتح ممرات آمنة للمساعدات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. بدون تدخل عاجل، قد يتحول السودان إلى ساحة لصراع إقليمي طويل الأمد، يدفع ثمنه الأبرياء.
0 Comments