السيطرة على النهود: نقطة تحول في الصراع السوداني
النهود، غرب كردفان - 1 مايو 2025
في خطوة تُعيد رسم خارطة الصراع في السودان، سيطرت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على مدينة النهود بولاية غرب كردفان، معلنةً عزمها على التقدم نحو الأبيض، عاصمة شمال كردفان. هذا الحدث، الذي أكده مستشار قائد الدعم السريع الباشا طبيق، ليس مجرد انتصار عسكري، بل نقطة تحول استراتيجية تحمل تداعيات عسكرية واقتصادية وإنسانية عميقة. في هذا التقرير، نستعرض أبعاد هذا التطور وتأثيراته المحتملة على الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023.
النهود: قلب استراتيجي في غرب السودان
تتمتع النهود بموقع جغرافي متميز، إذ تربط غرب السودان، بما في ذلك دارفور، بشرق البلاد عبر طرق حيوية تصل إلى الخرطوم وميناء بورتسودان. هذا الموقع يجعلها مركزاً لوجستياً رئيسياً لنقل الإمدادات العسكرية والتجارية. في 1 مايو 2025، اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة بعد قصف مدفعي واشتباكات عنيفة، لتسيطر على أحياء رئيسية وتُطلق سراح سجناء، في خطوة تهدف إلى ترسيخ هيمنتها.
اقتصادياً، تُعد النهود مركزاً زراعياً وتجارياً بارزاً. تسهم ولاية غرب كردفان بنحو 80% من صادرات السودان من المحاصيل والماشية، والنهود هي سوق رئيسي لهذه المنتجات. افتتاح سوق النهود لموسم 2024-2025 قبل الهجوم يُبرز أهميتها الاقتصادية. السيطرة على المدينة تمنح الدعم السريع نفوذاً على هذه الموارد، مما يُهدد إيرادات الحكومة ويعزز قدرة القوات على تمويل عملياتها.
الأبيض في مرمى النيران
تصريح الباشا طبيق بأن الأبيض هي الهدف التالي يكشف عن طموح الدعم السريع لتوسيع سيطرتها في وسط السودان. تُعد الأبيض معقلاً عسكرياً للجيش السوداني، يضم قواعد ومستودعات أسلحة. السيطرة على النهود توفر قاعدة متقدمة لشن هجمات على الأبيض، مما قد يفتح جبهة جديدة في الصراع. هذا التقدم يأتي بعد خسائر الدعم السريع في الخرطوم، حيث أعلن الجيش في مارس 2025 سيطرته الكاملة على العاصمة.
في يناير 2025، حرر الجيش محلية ود بندة القريبة من النهود، مما يعكس أهمية المنطقة في الاستراتيجية العسكرية. سيطرة الدعم السريع الحالية تُظهر طبيعة الحرب المتقلبة، حيث تتبادل الأطراف السيطرة على المناطق الحيوية. بحسب محللين، قد يؤدي هذا الهجوم إلى تصعيد المواجهات في كردفان، خاصة إذا استغلت الدعم السريع قواعدها في دارفور لتعزيز قواتها.
ضربة اقتصادية موجعة
السيطرة على النهود تحمل تبعات اقتصادية وخيمة. الاقتصاد السوداني، الذي يعاني منذ بداية الحرب من التضخم وشح السيولة، يعتمد بشكل كبير على صادرات غرب كردفان. تعطيل حركة التجارة عبر النهود يُهدد بتفاقم أزمة الأمن الغذائي، التي أصابت 25 مليون سوداني. كما أن تقارير عن نهب الموارد في المناطق التي تسيطر عليها الدعم السريع تثير مخاوف من استغلال النهود لتمويل الحرب، مما يزيد من معاناة السكان.
كارثة إنسانية متفاقمة
الهجوم على النهود تسبب في نزوح جماعي، مع تقارير عن استهداف مدنيين ونهب ممتلكات. بحسب الأمم المتحدة، أدى النزاع إلى نزوح 12 مليون شخص، منهم 3.8 مليون لاجئ. النهود، التي كانت ملاذاً للنازحين، أصبحت مسرحاً للعنف، مما يُفاقم أزمة الجوع التي حذرت منها الأمم المتحدة في 2024. نقص تمويل البرامج الإنسانية يُهدد بتعليق المساعدات، تاركاً السكان في مواجهة المجاعة.
تاريخ من التوترات
شهدت النهود توترات قبلية في 2022 بين المسيرية والنوبة، أدت إلى سقوط ضحايا ونزوح. هذه الديناميكيات القبلية تُعقد الصراع، حيث تستغل الدعم السريع دعم بعض القبائل لتعزيز نفوذها. هذا الوضع يثير مخاوف من تصعيد التوترات العرقية، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
اللعبة الإقليمية
الصراع السوداني يتجاوز الحدود الوطنية. تتهم تقارير الإمارات بدعم الدعم السريع، بينما يتلقى الجيش دعماً من مصر والسعودية. سيطرة النهود قد تعزز نفوذ الداعمين للدعم السريع، مما يُعيق جهود الوساطة. مبادرات السلام، مثل مؤتمر الدول المجاورة في 2023، فشلت في تحقيق تقدم، مما يعكس تصميم الطرفين على النصر العسكري.
هل تنجح استراتيجية الدعم السريع؟
تُظهر السيطرة على النهود مرونة الدعم السريع، لكن التقدم نحو الأبيض يواجه تحديات، نظراً لتحصينات الجيش. المحللون منقسمون: البعض يرى أن الدعم السريع قادرة على إطالة الحرب بدعم خارجي، بينما يؤكد آخرون، مثل مزمل أبو القاسم، أن الجيش يحظى بدعم شعبي أقوى. الحرب تبدو استنزافية، مع استمرار معاناة المدنيين.
خاتمة: نحو حل أم استمرار النزيف؟
النهود تُجسد مأساة السودان: صراع على السلطة، تنافس على الموارد، وكارثة إنسانية. الحل السياسي الشامل، بما يشمل نزع السلاح وإعادة بناء الدولة، هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع. لكن مع تصعيد الدعم السريع وردود الجيش، يبدو السلام بعيد المنال. المجتمع الدولي مدعو لتكثيف جهوده لوقف الحرب، قبل أن يدفع الشعب السوداني ثمناً أكبر.
المصادر
- الجزيرة نت: الدعم السريع تسيطر على النهود
- الأمم المتحدة: تقرير الأزمة الإنسانية في السودان
- ويكيبيديا: الحرب الأهلية السودانية 2023-الحاضر
- بي بي سي عربي: تحليل الصراع في السودان
- تقارير ميدانية وتصريحات رسمية من الأطراف المتحاربة
0 Comments