دفع الله الحاج: رجل الدبلوماسية أم واجهة لعودة الحركة الإسلامية؟
في 29 أبريل 2025، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، قراراً بتعيين دفع الله الحاج علي عثمان وزيراً لشؤون مجلس الوزراء ومكلفاً بتسيير مهام رئيس الوزراء. هذا القرار، الذي جاء وسط حرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أثار جدلاً حاداً حول دلالاته السياسية. فهل يمثل دفع الله الحاج، الدبلوماسي المخضرم، خياراً إدارياً لتثبيت الأوضاع، أم أنه واجهة لعودة الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي إلى دفة الحكم؟
من هو دفع الله الحاج؟
دفع الله الحاج علي عثمان، خريج جامعة الخرطوم عام 1978، بدأ مسيرته في وزارة الخارجية السودانية عام 1980. على مدى أربعة عقود، شغل مناصب دبلوماسية مرموقة، منها سفير السودان في فرنسا، باكستان، السعودية، والفاتيكان، ومندوب دائم في الأمم المتحدة (2010-2013)، إضافة إلى تمثيله في منظمة التعاون الإسلامي. في 2021، عُين وكيلاً لوزارة الخارجية، واستمر حتى إعفائه في ديسمبر 2023. خلال النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، لعب دور المبعوث الخاص للبرهان، حيث قاد مفاوضات مع دول مثل جنوب السودان.
هذه السيرة تجعل دفع الله شخصية مؤهلة لمناصب قيادية، لكن خلفيته في ظل نظام عمر البشير (1989-2019) ودوره بعد انقلاب 2021 أثارت تساؤلات حول ولائه السياسي. هل هو مجرد دبلوماسي محترف خدم تحت أنظمة مختلفة، أم أن له ارتباطات أعمق بالحركة الإسلامية؟
ارتباط محتمل بالمؤتمر الوطني
حزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسي للحركة الإسلامية في عهد البشير، كان يهيمن على مؤسسات الدولة، بما فيها الخارجية. لا توجد أدلة قاطعة تثبت أن دفع الله الحاج كان عضواً فاعلاً في الحزب، لكن دوره كوكيل للخارجية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 يثير الشكوك. تقرير في صحيفة "الراكوبة" (أكتوبر 2021) أشار إلى أن تعيينه آنذاك كان دليلاً على نفوذ المؤتمر الوطني خلف الانقلاب. كما أن استدعاءه سفراء دول غربية للاحتجاج على دعمهم لثورة 2019 عزز التصور بأنه قد يكون متماهياً مع أجندة النظام السابق.
ومع ذلك، يمكن القول إن دفع الله، كدبلوماسي، كان جزءاً من النظام الإداري الذي عمل تحت ظل المؤتمر الوطني دون أن يكون بالضرورة عضواً تنظيمياً. خبرته الطويلة جعلته قادراً على الاستمرار في مناصب حساسة، لكن هذا لا ينفي احتمال وجود تقاطع مصالح مع الإسلاميين.
هل تعيينه "ردة" بقيادة علي كرتي؟
علي كرتي، الأمين العام السابق للحركة الإسلامية ووزير الخارجية الأسبق، يُعتبر رأس الحربة في محاولات الإسلاميين لاستعادة النفوذ. في سبتمبر 2024، انتخب كرتي رئيساً لتيار "الإسلام العريض"، وهو ائتلاف يهدف إلى توحيد الإسلاميين، وفقاً لتقرير في "سودان تريبيون". وجوده في تركيا، حيث ينسق تحركات سياسية، عزز التكهنات حول تأثيره على قرارات البرهان.
تعليقات على منصة X، مثل منشور من حساب @Elbashatbaeq (30 أبريل 2025)، زعمت أن تعيين دفع الله الحاج يكشف عن "وجه معادٍ للتغيير" ويخدم خطة كرتي. كما أن عودة شخصيات مرتبطة بالمؤتمر الوطني إلى مناصب عليا بعد 2021، كما ورد في تقرير لـ BBC (2022)، تدعم فرضية "الردة". لكن، في المقابل، لا توجد أدلة مباشرة تربط دفع الله بعلاقة تنظيمية وثيقة مع كرتي. إعفاؤه من وكالة الخارجية في 2023 قد يشير إلى أن دوره لم يكن مركزياً في مخططات الإسلاميين.
الجدل يتفاقم بسبب الفراغ السياسي. الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 أضعفت المؤسسات، مما جعل البرهان يعتمد على شخصيات ذات خبرة مثل دفع الله. لكن اختيار شخصية عملت تحت نظام البشير يثير مخاوف من أن الإسلاميين يستغلون هذا الفراغ للعودة.
السياق السياسي ودلالات القرار
السودان يعيش أزمة غير مسبوقة. الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع دمرت البنية التحتية وأضعفت الاقتصاد، بينما فشلت المفاوضات في تحقيق هدنة دائمة. في هذا السياق، يحتاج البرهان إلى تعزيز شرعيته داخلياً ودولياً. تعيين دفع الله، بعلاقاته الواسعة مع دول الخليج، قد يكون محاولة لتحسين صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي، خاصة السعودية، التي كان سفيراً لديها.
ومع ذلك، القرار يحمل مخاطر. القوى المدنية، التي قادت ثورة 2019، ترى في تعيين دفع الله مؤشراً على تراجع مكتسبات الثورة. هذه القوى تخشى أن يكون البرهان، تحت ضغط الحرب، قد أصبح أكثر اعتماداً على الإسلاميين، خاصة في ظل ضعف البدائل المدنية.
تحليل الجدل: ضرورة إدارية أم استراتيجية سياسية؟
تعيين دفع الله الحاج يعكس التوتر بين الحاجة الإدارية والحسابات السياسية. من جهة، خبرته الدبلوماسية تجعله قادراً على إدارة مهام معقدة في ظل الأزمة. من جهة أخرى، خلفيته ودوره بعد 2021 يغذيان الشكوك حول نوايا البرهان. بدون شفافية في عملية اتخاذ القرار، يظل الجدل محصوراً في التكهنات.
ما يمكن تأكيده هو أن الفراغ السياسي يوفر فرصة للإسلاميين لاستعادة النفوذ. تحركات علي كرتي، وتنظيم الإسلاميين في الخارج، تشير إلى استراتيجية طويلة الأمد. لكن ما إذا كان دفع الله جزءاً من هذه الاستراتيجية أم مجرد خيار عملي يبقى سؤالاً مفتوحاً.
الخلاصة
تعيين دفع الله الحاج رئيساً للوزراء المكلف في 2025 نقطة تحول في مسار السودان السياسي. خبرته تجعله مرشحاً قوياً لإدارة الأزمة، لكن خلفيته تثير مخاوف من عودة الحركة الإسلامية. بينما تشير بعض التحليلات إلى أن القرار جزء من مخطط بقيادة علي كرتي، فإن غياب الأدلة المباشرة يجعل الاستنتاج غير حاسم. المستقبل القريب، وتحركات دفع الله، قد يكشفان المزيد عن طبيعة دوره في هذا السياق المضطرب.
المصادر
- "البرهان يصدر قراراً بتكليف دفع الله الحاج بتسيير مهام رئيس الوزراء"، صحيفة السوداني، 29 أبريل 2025.
- "دفع الله الحاج: من الدبلوماسية إلى واجهة السياسة"، الراكوبة، 30 أكتوبر 2021.
- "عودة النظام القديم؟ تحليل انقلاب 2021"، BBC Arabic، 15 نوفمبر 2022.
- "علي كرتي يقود تيار الإسلام العريض"، سودان تريبيون، 20 سبتمبر 2024.
- منشور على منصة X من حساب @Elbashatbaeq، 30 أبريل 2025.
- "السودان: الحركة الإسلامية ومحاولات العودة"، مركز الدراسات السودانية، 2024.
0 Comments