Advertisement

Responsive Advertisement

مقتل فتح العليم كرتي في أم درمان: روايات متضاربة في خضم الحرب السودانية

 



مقتل فتح العليم كرتي في أم

 درمان: غموض الروايات وتصاعد الصراع في السودان

أم درمان، 20 أبريل 2025 – وسط ألسنة اللهب التي تلتهم السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، أثار خبر مقتل فتح العليم أحمد كرتي، شقيق علي أحمد كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، موجة من الجدل والتكهنات. الحادثة، التي وقعت في مدينة أم درمان، إحدى ركائز العاصمة الثلاثية، تكشف عن التعقيدات العميقة للصراع السوداني، حيث تتصارع الروايات المتضاربة مع غياب الحقيقة الموثقة، وتُستغل الأحداث لخدمة أجندات سياسية متباينة.
روايتان تتصارعان على الحقيقة
تتضارب الأنباء حول ملابسات مقتل فتح العليم كرتي في 19 أبريل 2025، وفقًا لما رصدته منشورات على منصة إكس. الرواية الأولى، التي تبنتها أوساط الحركة الإسلامية، تؤكد أن كرتي لقي حتفه تحت وطأة التعذيب في معتقلات قوات الدعم السريع، التي يُشار إليها غالبًا بـ"مليشيا آل دقلو". وتزعم هذه الرواية أن فتح العليم اختُطف من منزله قبل عام، وتعرض لانتهاكات وحشية أودت بحياته. هذا السرد يتماهى مع اتهامات متكررة وجهتها الحركة الإسلامية للدعم السريع باستهداف معارضيها، خاصة من الإسلاميين الداعمين للجيش.
في المقابل، تروج رواية أخرى لهجوم نفذته "منظومة المسيرات" – الطائرات بدون طيار – أدى إلى "تصفية" فتح العليم إلى جانب عدد من أفراد ما يُطلق عليهم "مليشيا الإخوان" في أم درمان. هذه الرواية، التي دفع بها عدد من الحسابات على إكس، تشير إلى أن العملية استهدفت عناصر من كتائب البراء بن مالك، الذراع العسكري للحركة الإسلامية، مع تأكيد نجاة قائدها المصباح أبو زيد. لكن هذه الرواية تظل هشة، إذ تفتقر إلى دعم من مصادر رسمية، مما يثير شكوكًا حول دقتها.
فتح العليم كرتي: رمز الحركة الإسلامية
فتح العليم أحمد كرتي، وفقًا للروايات المتداولة، كان شخصية بارزة ضمن الحركة الإسلامية، ويُوصف بأنه "مجاهد" ظل وفيًا لمبادئ التنظيم منذ التسعينيات. شقيقه، علي أحمد كرتي، يُعد أحد أبرز قادة الإسلاميين في السودان، حيث يترأس الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي العريض منذ سبتمبر 2024. تولى علي كرتي مناصب حساسة في عهد عمر البشير، بما في ذلك وزارة الخارجية، وأشرف على قوات الدفاع الشعبي، الجناح العسكري للإسلاميين. في 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه لدوره في إعاقة التحول الديمقراطي.
مقتل فتح العليم، سواء كان نتيجة تعذيب أو هجوم عسكري، يُمثل خسارة رمزية للحركة الإسلامية، التي تسعى لتعزيز نفوذها في ظل دعمها للجيش السوداني. وقد استغلت الحركة الحادثة لتصوير فتح العليم كشهيد، موجهة أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع وبعض الدول الخارجية، لا سيما الإمارات، التي تُتهم بدعم الدعم السريع.
أم درمان: مسرح الحرب وسلاح المسيرات
تشكل أم درمان، مسرح الحادثة، إحدى ساحات القتال الرئيسية في الحرب السودانية. المدينة، التي كانت يومًا مركزًا حضاريًا، تحولت إلى جبهة دامية تشهد صدامات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع. في هذا السياق، برزت الطائرات المسيرة كسلاح حاسم، حيث يستخدمها الجيش لتنفيذ ضربات دقيقة ضد مواقع الدعم السريع. في المقابل، تُواجه قوات الدعم السريع اتهامات بتلقي دعم خارجي، بما في ذلك من الإمارات، وهي اتهامات تنفيها أبوظبي.
إذا صحت رواية هجوم المسيرات، فإنها تُشير إلى تطور في استراتيجيات الجيش أو قوى أخرى لاستهداف قيادات سياسية وعسكرية. لكن غياب تقارير موثقة من وسائل إعلام مستقلة أو وكالات دولية يُضعف هذه الرواية. على النقيض، تبدو رواية التعذيب في المعتقلات أكثر تماسكًا، نظرًا لتاريخ الدعم السريع في احتجاز وتعذيب المعارضين، كما وثقت منظمات حقوقية.
الدعاية: سلاح الحرب الناعم
تكشف الروايات المتضاربة حول مقتل فتح العليم كيف تُستخدم الأحداث في السودان كأدوات دعاية. الحركة الإسلامية تروج لرواية التعذيب لشيطنة الدعم السريع وتعبئة أنصارها، بينما قد تكون رواية المسيرات محاولة لإبراز قوة الجيش أو تصفية حسابات مع الإسلاميين. في ظل سيطرة منصات التواصل مثل إكس على تدفق المعلومات، يصبح التضليل سلاحًا خطيرًا، يُعيق الوصول إلى الحقيقة ويُعمّق الانقسامات.
تداعيات سياسية وإنسانية
مقتل فتح العليم كرتي من شأنه أن يُصعد التوترات بين الحركة الإسلامية وقوات الدعم السريع، وربما يُعزز التفاف الإسلاميين حول الجيش. لكنه، في الوقت ذاته، يُذكّر بالكلفة البشرية الباهظة للحرب، التي خلّفت آلاف القتلى وشردت الملايين. وبينما تتواصل الاشتباكات، يظل المدنيون والنشطاء السياسيون، مثل فتح العليم، عرضة للعنف والاستهداف.
خاتمة
في سودان يعيش تحت وطأة حرب لا هوادة فيها، تظل حقيقة مقتل فتح العليم كرتي غارقة في الغموض، محصورة بين روايات التعذيب وأخرى عن هجوم بالمسيرات. لكن ما هو واضح هو أن هذه الحادثة تُجسد الفوضى التي تُمزق البلاد، حيث تُستغل المآسي لخدمة صراعات السلطة. مع استمرار غياب التقارير الموثقة، يبقى الأمل معلقًا على ظهور مصادر محايدة تُنير الطريق نحو الحقيقة، في بلد يتوق إلى السلام والعدالة.
كُتب هذا المقال استنادًا إلى معلومات متاحة حتى 20 أبريل 2025، مع الاعتماد على منشورات إكس وتحليل السياق السياسي والعسكري في السودان.

Post a Comment

0 Comments