تدفق النفط يعيد الأمل بتحقيق استقرار اقتصادي في السودان وجنوب السودان رغم هشاشة الوضع الأمني
الخرطوم – 22 أبريل 2025
أعاد وصول نفط جنوب السودان إلى ميناء بشائر في شرق السودان الأمل في استعادة التوازن الاقتصادي بين الخرطوم وجوبا بعد توقف استمر أكثر من عام. هذا التطور جاء بعد مفاوضات معقّدة وجهود مكثّفة، وسط بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة لا تزال تهدد أي مكاسب محتملة على المدى القريب.
يُعد هذا الحدث الاقتصادي مفصليًا في سياق الأزمة الممتدة في السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، والتي ألقت بظلالها على جميع القطاعات الحيوية، بما في ذلك إنتاج وتصدير النفط. ومن جهة أخرى، يشكّل استئناف تصدير النفط رئة تنفسية لاقتصاد جنوب السودان الذي يعتمد بشكل شبه كلي على العائدات النفطية لتمويل ميزانيته.
سياق تاريخي: علاقات نفطية معقّدة منذ الانفصال
منذ انفصال جنوب السودان عن الشمال في عام 2011، بقيت مسألة النفط واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في العلاقات بين البلدين. فبينما يمتلك الجنوب أكثر من 75% من احتياطيات النفط في السودان السابق، تبقّى الشمال ببنيته التحتية، بما في ذلك المصافي وخطوط الأنابيب وميناء التصدير في بشائر.
وفي عام 2012، تم توقيع اتفاقية تعاون نفطي بين الخرطوم وجوبا، نظمت عملية عبور النفط عبر الأراضي السودانية، مقابل رسوم تُقدَّر حينها بنحو 9.48 دولارات للبرميل، وارتفعت لاحقًا إلى 14 دولارًا بعد التعديلات اللاحقة، وتم تمديد الاتفاق حتى 2022. وعلى الرغم من التوترات السياسية، ظلت هذه الاتفاقية قيد التنفيذ حتى جاءت الحرب الأخيرة لتعطّل كل شيء.
تفاصيل العودة: من التجميد إلى الاستئناف
في 8 يناير 2025، أعلن وزير النفط في جنوب السودان، بوت كانج شول، عن استئناف تصدير النفط من مربعي 3 و7، وذلك بعد رفع حالة "القوة القاهرة" التي فرضتها السلطات السودانية في فبراير 2024.
وكانت "القوة القاهرة" قد أُعلنت عقب تجمد النفط في أنابيب الضخ نتيجة توقف عمل المحطات، وتراجع درجات الحرارة، إضافة إلى التهديدات الأمنية التي جعلت استمرار التشغيل أمرًا بالغ الخطورة.
وأكد إدريس إسماعيل، وكيل وزارة الخارجية السودانية بالإنابة، في 22 أبريل 2025، أن أولى الشحنات النفطية وصلت بالفعل إلى ميناء بشائر، ما يمثل أول عملية تصدير منذ أكثر من 14 شهرًا. هذا التصريح لاقى اهتمامًا كبيرًا من الأوساط الاقتصادية والديبلوماسية، واعتُبر إشارة إلى احتمال عودة بعض النشاطات الاقتصادية الحيوية في السودان.
جهود لوجستية واتفاقات أمنية: الطريق غير الممهد إلى التصدير
لم يكن من الممكن استئناف ضخ النفط دون اتفاقات أمنية مع أطراف الصراع في السودان، خاصة مع تضرر أكثر من 237 كيلومترًا من خط أنابيب النيل الكبرى، وهو الخط الرئيسي الناقل للنفط من الحقول إلى الميناء.
في نوفمبر 2024، كشفت مصادر حكومية عن اتفاق بين جوبا وقوات الدعم السريع – التي تسيطر على مناطق رئيسية على امتداد الخط – لتأمين البنية التحتية وضمان سلامة العاملين.
يُشار إلى أن بعض محطات الضخ تقع في مناطق متنازع عليها، وهو ما تطلب تنسيقًا معقدًا بين الجيش السوداني والدعم السريع. وأكد الدكتور حامد سليمان حامد، وكيل وزارة النفط الأسبق وخبير الطاقة، أن استمرار التصدير لن يكون ممكنًا دون تفاهمات حقيقية بين الطرفين، محذرًا من أن أي هجوم مستقبلي أو خلل أمني قد يؤدي إلى توقف مفاجئ مرة أخرى.
النفط كشريان حياة: التأثير الاقتصادي على جنوب السودان
يمثل النفط حوالي 90% من إيرادات دولة جنوب السودان، التي تعاني من محدودية في الإنتاج الزراعي والصناعي، وتعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية لتمويل الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
خلال فترة توقف التصدير، واجهت حكومة جوبا صعوبات كبيرة في تمويل ميزانيتها، ما أدى إلى تأخر دفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتراجع في تمويل الخدمات العامة، وازدياد معدلات الفقر والبطالة.
واعتبر وزير المالية في جنوب السودان، في تصريح سابق، أن عودة التصدير "ضرورية للحفاظ على الاستقرار المالي، وتوفير السيولة اللازمة لدفع رواتب العاملين وتمويل خطط التنمية المؤجلة."
الأزمة الاقتصادية في السودان: هل يخفف النفط من المعاناة؟
يعاني السودان من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، تفاقمت بشكل حاد منذ اندلاع الحرب. التضخم تخطى حاجز الـ300% في بعض الفترات، وانخفضت قيمة الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق، فيما فقدت الدولة جزءًا كبيرًا من مصادر دخلها نتيجة انهيار القطاعات الإنتاجية.
تمثل رسوم عبور النفط أحد أهم مصادر النقد الأجنبي المتبقية للدولة، وتُقدّر هذه الرسوم بنحو 14 دولارًا لكل برميل يُصدر عبر أراضيها. ومع استئناف التصدير، من المتوقع أن تدخل ملايين الدولارات شهريًا إلى خزينة السودان، مما قد يساعد في تمويل بعض واردات السلع الأساسية، ودعم سعر صرف العملة، وتخفيف الضغط على الميزانية العامة.
لكن اقتصاديين حذروا من المبالغة في التفاؤل، مشيرين إلى أن تأثير العائدات النفطية سيكون محدودًا ما لم تُرفق بإصلاحات اقتصادية حقيقية ووقف النزاع المسلح.
تحديات فنية ولوجستية: ما وراء التشغيل
بعيدًا عن الجوانب السياسية والأمنية، فإن هناك تحديات فنية لا تقل تعقيدًا. فقد تضررت عدة أجزاء من البنية التحتية النفطية، بما في ذلك محطات الضخ، وأنظمة الاتصالات، وخزانات التخزين، نتيجة الحرب والإهمال.
تحتاج هذه المنشآت إلى صيانة عاجلة، وتحديث أنظمة التشغيل التي تعتمد على كوادر فنية أغلبها اضطر إلى مغادرة مواقع العمل بسبب انعدام الأمن.
كما أن انقطاع الكهرباء المتكرر، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات في المحطات، يشكلان عقبة حقيقية أمام استمرارية الضخ بسلاسة. ويتطلب تجاوز هذه العقبات دعمًا ماليًا وتقنيًا من الشركاء الدوليين، بالإضافة إلى ضمانات أمنية لعودة العاملين إلى مواقعهم.
مواقف إقليمية ودولية: دعم مشروط واستثمار حذر
لاقى استئناف تصدير النفط ترحيبًا حذرًا من عدة أطراف إقليمية ودولية. ففي حين ترى دول الجوار مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا في الاستقرار النفطي عنصرًا حيويًا لتعزيز التكامل الإقليمي، أبدى شركاء دوليون مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة استعدادهم لتقديم الدعم، ولكن بشرط تحقيق تسوية سياسية شاملة.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" أن الاستقرار الاقتصادي لا يمكن فصله عن حل النزاع المسلح، مشيرة إلى ضرورة وقف القتال كشرط أساسي لاستدامة أي تقدم اقتصادي.
رؤية مستقبلية: النفط كأداة سلام أم صراع؟
مع أن النفط يمثل مصدرًا حيويًا للدخل، إلا أنه يحمل كذلك إمكانية أن يتحول إلى عنصر صراع جديد بين الأطراف المتنازعة. فقد استخدم سابقًا كورقة ضغط سياسي، سواء من قبل الحكومة أو المجموعات المسلحة، ما جعله جزءًا من حسابات الحرب وليس التنمية.
ويرى محللون أن التحوّل إلى استخدام النفط كأداة للسلام يتطلب شراكة سياسية حقيقية، ورؤية شاملة تتجاوز المكاسب الآنية إلى بناء مؤسسات مستقرة، ومناخ استثماري آمن، وضمان العدالة في توزيع العائدات.
تصريحات رسمية وشعبية: تفاؤل حذر
قال إدريس إسماعيل، وكيل وزارة الخارجية بالإنابة، في تصريح لوكالة الأنباء السودانية (سونا):
> "وصول النفط إلى ميناء بشائر يؤكد أن الإرادة السياسية ما تزال قادرة على تحريك الاقتصاد رغم التحديات، ونأمل أن تكون هذه بداية لعودة تدريجية للاستقرار."
من جهته، أعرب بوت كانج شول، وزير النفط في جنوب السودان، عن تفاؤله:
> "استئناف تصدير النفط خطوة حاسمة في إنعاش الاقتصاد، وستُسهم في تخفيف الضغوط المالية على جوبا، ونأمل أن تستمر هذه الشراكة دون عراقيل مستقبلًا."
خاتمة: فرصة جديدة تحتاج إلى حكمة سياسية
بين الأمل والتحديات، تبرز أهمية استئناف تصدير نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية كمؤشر على إمكانيات التعاون في أصعب الظروف.
لكن النجاح الحقيقي لا يكمن فقط في ضخ النفط، بل في القدرة على تحويل هذا المورد من عنصر صراع إلى دعامة للتنمية المستدامة والاستقرار.
ينظر المراقبون إلى التطورات الحالية بعين المتابعة الدقيقة، بانتظار ما إذا كانت هذه الخطوة ستُشكّل بداية مرحلة جديدة من التعاون، أم ستتوقف مجددًا أمام بوابة الخلافات المسلحة، والشلل الإداري، وغياب الحلول السياسية الشاملة.
الوسائط المرفقة:
صورة لميناء بشائر: رابط وكالة الأنباء السودانية (سونا)
خريطة خط أنابيب النفط: رابط إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)
---
المصادر:
1. وكالة الأنباء السودانية (سونا)، 22 أبريل 2025
2. تصريحات الدكتور حامد سليمان، نوفمبر 2024
3. تقرير إخباري حول اتفاق حماية خط الأنابيب، نوفمبر 2024
4. إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، 2023
5. تصريحات رسمية من حكومة جنوب السودان، يناير 2025
6. تحليلات اقتصادية محلية من "مجموعة السودان للسياسات الاقتصادية"، مارس 2025
---
الكلمات المفتاحية لتحسين محركات
تصدير نفط جنوب السودان
ميناء بشائر السودان
خط أنابيب نفط جنوب السودان
الحرب في السودان 2023
اتفاقية النفط بين السودان وجنوب السودان
استئناف تصدير النفط 2025
رسوم عبور النفط السودان
التحديات الاقتصادية في السودان
البنية التحتية النفطية في السودان
اقتصاد جنوب السودان بعد الحرب
0 Comments