سر الدعوة البريطانية لمؤتمر السودان دون حكومة الخرطوم:
قراءة في السياسات والسيناريوهات المقبلة"
مقدمة: بريطانيا تعود إلى المشهد السوداني ولكن...
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية، أعلنت الحكومة البريطانية عقد مؤتمر دولي بشأن الأزمة في السودان دون توجيه دعوة رسمية لحكومة السودان الشرعية في الخرطوم. وزارة الخارجية السودانية لم تتأخر في التعبير عن غضبها، حيث وصفت الخطوة بأنها "انتهاك للسيادة الوطنية" و"تجاهل غير مبرر لممثلي الدولة المعترف بها دولياً".
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
لماذا اختارت بريطانيا إقصاء الحكومة السودانية من مؤتمر يتناول أزمة بلدها؟
وهل هذه الخطوة مؤشر على تغير جذري في طريقة تعاطي لندن مع الملف السوداني؟
---
أولاً: خلفية المشهد السوداني منذ الحرب
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، يشهد السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والسياسية في تاريخه المعاصر. الحرب تسببت في:
نزوح أكثر من 8 ملايين مواطن داخلياً وخارجياً.
انهيار شبه تام في مؤسسات الدولة.
تدخلات إقليمية ودولية متزايدة.
تصاعد نفوذ مليشيات الدعم السريع في بعض المناطق.
وفي ظل هذا المشهد المتعقّد، تصاعدت الدعوات الدولية لإيجاد حل سياسي شامل، لكن الطريق لا يزال مسدوداً.
ثانياً: سر الدعوة البريطانية... لماذا دون حكومة الخرطوم؟
غياب الحكومة السودانية عن المؤتمر البريطاني يطرح أكثر من علامة استفهام. ومن خلال تتبع تصريحات الأطراف وتحليل السياسة البريطانية، يمكن رصد ثلاثة أسباب رئيسية محتملة لهذا التغييب:
1. محاولة تدويل الحل خارج الأطر الرسمية
بريطانيا، على ما يبدو، تحاول القفز على الأطر التقليدية للعمل الدبلوماسي عبر إشراك "فاعلين غير رسميين" في حل الأزمة، كقوى المجتمع المدني، ونشطاء الخارج، وبعض الأطراف المسلحة، في ظل قناعة بأنها لن تجد حلاً عبر النخب الرسمية التي تُعد جزءاً من الأزمة.
2. الضغط على الجيش السوداني
من خلال استبعاد حكومة الخرطوم، التي يمثلها فعلياً الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ترسل بريطانيا رسالة ضغط سياسي واضحة: أن المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى الجيش كممثل وحيد للدولة، بل يساويه مع الدعم السريع في المسؤولية عن الحرب والانتهاكات.
3. رغبة في إعادة تشكيل موازين القوى
ربما تسعى بريطانيا بالتعاون مع دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا إلى إنتاج واقع سياسي جديد في السودان، يتيح عودة قوى "الحرية والتغيير" إلى الواجهة، عبر مسار تفاوضي موازٍ لا يخضع لشروط الجيش أو الدعم السريع.
ثالثاً: موقف وزارة الخارجية السودانية
في بيان رسمي، اعتبرت وزارة الخارجية السودانية أن عقد مؤتمر دون مشاركة الدولة السودانية:
> "سلوك استعماري مستفز، يعيد إلى الأذهان أسوأ أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول المستقلة."
وأضاف البيان أن "المساواة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هو انحياز فجّ وغير أخلاقي، يتجاهل حقيقة أن الجيش هو المؤسسة الوطنية الشرعية الوحيدة المكلفة بحماية وحدة البلاد".
البيان يعبّر عن رفض دبلوماسي صريح لأي ترتيبات أو مخرجات تصدر عن هذا المؤتمر، وقد يكون مؤشراً إلى قطيعة مقبلة بين الخرطوم ولندن.
---
رابعاً: كيف تُدير بريطانيا ملف السودان؟ تحليل في المنهج والسياسة
رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تحاول تعزيز نفوذها في مناطق النفوذ التقليدية القديمة، خاصة في إفريقيا. السودان، باعتباره دولة استراتيجية تربط شمال وشرق ووسط القارة، يُعتبر ساحة أساسية في هذا السياق.
وتتمثل أدوات بريطانيا حالياً في:
الدعم الإنساني: حيث قدمت مساعدات عاجلة عبر منظمات مثل Oxfam وSave the Children.
التواصل مع القوى المدنية السودانية بالخارج.
تأييد مسارات التفاوض عبر مبادرات مثل IGAD ومجموعة أصدقاء السودان.
العمل عبر الأمم المتحدة وليس عبر القنوات الثنائية الرسمية.
---
خامساً: السيناريوهات المحتملة بعد المؤتمر
السيناريو الأول: تصعيد دبلوماسي بين السودان وبريطانيا
قد تتخذ الحكومة السودانية خطوات تصعيدية تشمل تخفيض التمثيل الدبلوماسي، أو مطالبة لندن بالاعتذار العلني.
السيناريو الثاني: دعم دولي أوسع للحلول البديلة
قد تستفيد بريطانيا من الزخم الناتج عن المؤتمر لطرح مسارات تفاوض جديدة تتجاوز أطراف الحرب، وتضم قوى سياسية ومجتمعية أوسع.
السيناريو الثالث: تعزيز عزلة الحكومة السودانية دولياً
إذا نجحت لندن في حشد التأييد الأوروبي والأمريكي، قد تجد الحكومة السودانية نفسها في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة.
السيناريو الرابع: رد فعل سوداني عنيف يخلط الأوراق
ربما تستغل الخرطوم المؤتمر للدفع باتجاه توحيد الصف الداخلي، وتكثيف الخطاب القومي ضد "التدخلات الغربية"، ما قد يعقد فرص التفاوض لاحقاً.
---
سادساً: أسئلة مفتوحة للتحقيق والمتابعة
من هم الأطراف المشاركون فعلياً في مؤتمر لندن بشأن السودان؟
ما مدى تأثير مجموعة "أصدقاء السودان" في صياغة مخرجات المؤتمر؟
هل كانت هناك وساطة سرية بريطانية مع الدعم السريع؟
ما طبيعة العلاقة بين لندن وقادة "الحرية والتغيير" في المنفى؟
هل هناك نية لتكرار سيناريو "بون أفغانستان" في السودان؟
---
سابعاً: تأثير هذا المؤتمر على الحل السياسي في السودان
بغض النظر عن النتائج المباشرة، فإن عقد مؤتمر دولي دون الحكومة السودانية:
يعكس تغيراً في مواقف الدول الغربية.
يُفقد الحكومة بعضاً من شرعيتها الخارجية.
يُعيد النقاش حول من يمتلك "الشرعية التمثيلية" في السودان.
يُنذر بتدويل الأزمة إذا استمر تجاهل أطراف الداخل.
---
خاتمة: هل تعود بريطانيا بوجه جديد؟
قد تكون هذه الخطوة بدايةً لتحول كبير في طريقة تعاطي الدول الكبرى مع الملف السوداني. لكن الأكيد أن تجاهل الحكومة الرسمية سيزيد من تعقيد الأزمة لا حلها، ما لم يتم التوصل إلى توافق وطني شامل يضع مصلحة السودان فوق الحسابات الدولية.
الكلمات المفتاحية (SEO Keywords):
الأزمة السودانية، مؤتمر بريطانيا السودان، الجيش السوداني، الدعم السريع، الخارجية السودانية، التدخل البريطاني، السلام في السودان، مبادرات الحل في السودان، السودان 2025، أصدقاء السودان
المصادر:
1. وزارة الخارجية السودانية – بيان رسمي 2025
2. BBC Arabic – تقارير حول مؤتمر لندن بشأن السودان
3. Al Jazeera English – تحليل سياسة بريطانيا في إفريقيا
4. Sudan Tribune – متابعات الأزمة السياسية السودانية
5. The Guardian – ملف التدخلات البريطانية في الدول الإفريقية
6. Human Rights Watch – تقارير عن الانتهاكات في السودان
7. موقع الأمم المتحدة – بيانات حول السودان ومفاوضات جوبا وإيغاد
0 Comments