Advertisement

Responsive Advertisement

الفاشر المحاصرة: بين فكي الدعم السريع والقوات المشتركة.. ما الحل؟

 

"الدمار في حي من أحياء مدينة الفاشر نتيجة القصف والمعارك المستمرة بين الفصائل المسلحة – أبريل 2025"



الفاشر تحت الحصار: مأساة إنسانية بين نيران الصراع وتطلعات النجاة


بقلم: 

[Nasreldin yousif] 

| صحفي استقصائي مستقل


تاريخ النشر: 5 أبريل 2025



مقدمة


في قلب دارفور الغربية، تقع مدينة الفاشر، التي تحوّلت في الأشهر الماضية إلى مسرح مفتوح لواحد من أكثر النزاعات دموية في السودان منذ بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023. تحاصر قوات الدعم السريع المدينة من عدة محاور، مدعومة ببعض الحلفاء من الحركات المسلحة، فيما تتمركز القوات المشتركة بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، إلى جانب وحدات من الجيش داخل المدينة. وسط هذا التصعيد العسكري المروع، يبقى مصير مئات الآلاف من المدنيين معلقًا، تحت رحمة الأطراف المتصارعة.


في هذا المقال، نحلل جذور الصراع، مواقف القوى المختلفة، ونعرض الحلول الواقعية للخروج من الأزمة، ملتزمين بالمهنية والحيادية والمصداقية الصحفية.



---


خلفية الصراع في الفاشر


تُعد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مركزًا تاريخيًا وثقافيًا هامًا في الإقليم. ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، صمدت المدينة لفترة طويلة دون أن تدخلها المعارك بشكل مباشر. لكن الوضع تغيّر في منتصف عام 2024، عندما بدأت قوات الدعم السريع شنّ هجمات متفرقة على أطراف المدينة، وتوالت الاشتباكات، ما أدى إلى انهيار الأوضاع الأمنية والإنسانية.


بحسب تقارير "أطباء بلا حدود"، فإن مستشفيات المدينة أصبحت غير قادرة على العمل، بسبب القصف المستمر ونقص الكوادر الطبية. كما أن أكثر من 300 ألف مدني باتوا في عداد المحاصرين داخل المدينة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).



---


أطراف الصراع داخل الفاشر


1. قوات الدعم السريع وحلفاؤها

قوات الدعم السريع الفاشر.


تُتهم قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشن هجمات متكررة على المدينة باستخدام الطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة. وبحسب تصريح للناطق باسم قوات حركة تحرير السودان بقيادة مناوي، الصادق علي النور، لقناة "الحدث" (4 أبريل 2025)، فإن الهجمات شملت المدنيين، وتم توثيق عشرات الجرائم بحق سكان كتم ومليط.


كما وصف الصادق، دعوة الدكتور الهادي إدريس، القيادي في الجبهة الثورية والعضو في مجلس السيادة السابق، لخروج المدنيين من الفاشر عبر ممرات آمنة، بأنها "دس للسم في العسل"، متهمًا إدريس بالتواطؤ مع الدعم السريع واستخدام المدنيين كدروع بشرية.


2. القوات المشتركة والجيش السوداني


"الدمار في حي من أحياء مدينة الفاشر نتيجة القصف والمعارك المستمرة بين الفصائل المسلحة – أبريل 2025"


القوات المشتركة بقيادة مناوي وجبريل، وبدعم من الجيش السوداني، تتولى حاليًا مسؤولية الدفاع عن المدينة. وقد أكد الصادق علي النور أنهم يرفضون تسليم المدينة لقوات الدعم السريع، ويعملون على تأمين المدنيين رغم صعوبة الظروف.


ورغم الانتقادات الموجهة لهم، فإنهم يحظون بدعم شعبي جزئي داخل المدينة، باعتبارهم الطرف الذي يمنع دخول الدعم السريع.


3. القوى المحايدة: عبد الواحد نور نموذجًا


الأستاذ عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة جيش تحرير السودان، يلتزم بموقف الحياد العسكري منذ بداية الحرب. ويدعو إلى حل سياسي شامل يضمن مدنية الدولة. ويُنظر إليه كممثل محتمل لأي مبادرة سلام نزيهة، لعدم تورطه في العمليات العسكرية بالفاشر.



---


الأوضاع الإنسانية الكارثية


منظمة "أطباء بلا حدود" أعلنت في مارس 2025 توقف معظم الأنشطة الطبية في مستشفى الفاشر للأطفال ومستشفى جنوب المدينة، بسبب الهجمات المباشرة على الطواقم الطبية. وقالت المنظمة إن أكثر من 60% من سكان الفاشر يواجهون خطر الجوع والمرض، نتيجة الحصار وعدم وجود ممرات إنسانية.


الأمم المتحدة قدّرت عدد النازحين من الفاشر بأكثر من 180 ألفًا منذ ديسمبر 2024، بينما لا تزال عشرات الآلاف من الأسر محاصرة في أحياء أبو دوم، الثورة، والرديف.



---


مبادرة إخراج المدنيين.. تهدئة أم تهجير؟

صورة للطاهر حجر أو الهادي إدريس في مؤتمر صحفي: "القيادي الطاهر حجر خلال مؤتمر صحفي حول مبادرة إخلاء مدينة الفاشر – أبريل 2025"


في بيان صدر بتاريخ 5 أبريل 2025، دعا الطاهر حجر، رئيس تجمع قوى تحرير السودان، المدنيين في مدينة الفاشر ومعسكرات أبوشوك وزمزم وأبوجا، إلى الخروج من المدينة عبر ممرات آمنة. وقال إنهم على استعداد لتوفير الحماية والمساعدات الإنسانية، واتهم أطرافًا أخرى باستخدام المدنيين كورقة تفاوض سياسي.


لكن هذه المبادرة وُوجهت برفض قاطع من القوات المشتركة، التي رأت فيها محاولة لفرض أمر واقع لصالح الدعم السريع. وقال الناطق باسم حركة مناوي إن المناطق المقترحة لنقل المدنيين إليها "غير آمنة أصلًا، ولا يسيطر عليها الداعون للخروج".



---


تحليل المبادرات والحلول الممكنة


1. مبادرة الإدارة المشتركة للمدينة


في وقت سابق، طرحت الجبهة الثورية مبادرة تقضي بإخلاء المدينة من جميع القوى العسكرية وتسليمها لإدارة مشتركة مدنية-أمنية محايدة. وهي مبادرة تحظى بدعم بعض قوى المجتمع المدني والأمم المتحدة، لكنها واجهت عراقيل بسبب عدم ثقة الأطراف ببعضها.


2. التدخل الدولي عبر الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي


يمكن أن يكون الحل عبر إرسال قوات حفظ سلام محايدة، بإشراف أممي أو أفريقي، لتأمين المدينة وفتح ممرات إنسانية، على غرار ما حدث في جنوب السودان خلال الحرب الأهلية.


3. إشراك عبد الواحد نور كوسيط محايد


نظرًا لمكانته وتأثيره في دارفور، وحياده من النزاع الجاري، يمكن أن يلعب الأستاذ عبد الواحد دورًا محوريًا في التوسط بين الأطراف لتثبيت هدنة إنسانية.


4. فتح ممرات إنسانية بإشراف دولي حصري


يرى مراقبون أن أي عملية لإجلاء المدنيين يجب أن تكون تحت إشراف حصري من المنظمات الدولية، وليس من أطراف النزاع، لتجنب التسييس أو الاستغلال.



---


التغطية الإعلامية وضرورة المهنية


شهدت وسائل الإعلام المحلية والدولية تناقضًا في تغطية الأحداث في الفاشر، بين من يصور الأمر كعملية عسكرية ضرورية، ومن يصفه بالمجزرة المفتوحة. وهنا تبرز مسؤولية الإعلام المستقل في نقل الحقيقة، دون الانحياز لأي طرف، وتسليط الضوء على معاناة المدنيين.


كصحفيين، نؤمن أن دورنا ليس فقط نقل الأحداث، بل أيضًا كشف زيف الدعاية، وتمكين صوت الضحايا من الوصول إلى العالم. وعلينا التحقق من مصادرنا، ونقل الرواية من أكثر من طرف، مع الالتزام بأخلاقيات المهنة.



---


الخاتمة:

 بين الحرب والكرامة.. ما الذي تبقّى للفاشر؟


تقف مدينة الفاشر اليوم على مفترق طرق: إما أن يتم إنقاذها عبر تدخل محايد وعادل يضمن سلامة المدنيين ويعيد لها الحياة، أو أن تُترك فريسة لحرب عبثية تُستخدم فيها أرواح الناس كورقة تفاوض.


المطلوب ليس فقط وقف إطلاق النار، بل خارطة طريق متكاملة تبدأ بإغاثة إنسانية عاجلة، وتنتهي باتفاق سياسي عادل، تُشارك فيه القوى المدنية الحقيقية، بعيدًا عن السلاح والتكالب على السلطة.


تبقى الفاشر، برمزيتها التاريخية والإنسانية، أمانة في أعناق السودانيين جميعًا.



---


المصادر:


1. قناة الحدث – مقابلة مع الصادق علي النور، 4 أبريل 2025.



2. بيان الطاهر حجر – تجمع قوى تحرير السودان، 5 أبريل 2025.



3. موقع أطباء بلا حدود – تقرير دارفور، مارس 2025.



4. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) – تقارير الحالة الأسبوعية، فبراير ومارس 2025.



5. قناة الجزيرة – تقارير عن الفاشر، ديسمبر 2024 – مارس 2025.



6. BBC Arabic – Sudan Conflict Reports – يناير 2025.



7. موقع سودان تريبيون – تحديثات الوضع الميداني في شمال دارفور، أبريل 2025.





Post a Comment

0 Comments