الشهادة السودانية 2023: رمز للانقسام في ظل الحرب
مقدمة: نتائج وسط أزمة
في الأول من مايو 2025، أعلنت وزارة التربية والتعليم السودانية نتائج امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة لعام 2023، التي جلس لها أكثر من 222 ألف طالب وطالبة، محققة نسبة نجاح 69% في المسار الأكاديمي. لكن هذا الإنجاز التعليمي جاء في ظل حرب دامية اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث لم يتمكن ما بين 30% إلى 60% من الطلاب، خاصة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، من أداء الامتحانات. فهل تحولت الشهادة السودانية من رمز للوحدة الوطنية إلى تجسيد للانقسام؟ يستعرض هذا المقال تأثير الصراع على التعليم، وما إذا كانت الشهادة تعكس الشرخ العميق في السودان.
نتائج الشهادة: إنجاز تحت الضغط
وفقاً لتقارير إعلامية موثوقة، مثل المشهد السوداني ورادار، أُعلنت نتائج الشهادة السودانية لعام 2023 في مايو 2025 بعد تأخير استمر أكثر من عام. شارك في الامتحانات 222 ألف طالب، وبلغت نسبة النجاح 69% في المسار الأكاديمي. كان من المقرر إجراء الامتحانات في مايو 2023، لكنها أُجلت إلى ديسمبر 2024 بسبب تعطيل المناهج الدراسية في العديد من الولايات نتيجة الحرب. وأشاد الدكتور أحمد خليفة، وزير التربية والتعليم المكلف، بجهود المعلمين في إتمام عمليات التصحيح رغم التحديات الأمنية واللوجستية.
الحرب: عدو التعليم
بدأت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، مخلفة دماراً واسعاً في البنية التحتية، بما في ذلك المدارس. وفقاً لتقرير صحيفة التغيير، تخلف حوالي 157 ألف طالب عن أداء الامتحانات في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مثل دارفور والجزيرة والخرطوم. كما أشارت منظمة اليونيسيف إلى أن الحرب حرمت 12 مليون طالب من التعليم في مراحل مختلفة. قررت حكومة بورتسودان إجراء الامتحانات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بينما تعذر ذلك في مناطق قوات الدعم السريع، مما أثار جدلاً حول عدالة هذا القرار.
المناطق المتأثرة
شملت المناطق التي لم تجر فيها الامتحانات معظم ولايات دارفور (باستثناء الفاشر)، والجزيرة، وأجزاء من الخرطوم وكردفان. ووفقاً لتقرير الجزيرة، لم يتمكن 30% من الطلاب المسجلين من أداء الامتحانات، بينما تشير مصادر مثل أخبار السودان إلى أن النسبة قد تصل إلى 60%. هذا التباين يعكس صعوبة جمع بيانات دقيقة في ظل الفوضى.
انقسام جغرافي وسياسي
يعكس توزيع الامتحانات الانقسام الجغرافي والسياسي في السودان. ففي المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة، مثل بورتسودان والولايات الشمالية، تم تنظيم الامتحانات بنجاح. بينما في مناطق قوات الدعم السريع، مثل دارفور والجزيرة، حُرم الطلاب من هذه الفرصة. هذا الوضع أثار اتهامات متبادلة بين الطرفين، حيث ترى قوات الدعم السريع أن إجراء الامتحانات في مناطق الجيش يعزز الانقسام، بينما تؤكد الحكومة أنها تسعى للحفاظ على استمرارية التعليم.
الشهادة: من رمز وحدة إلى رمز انقسام
تاريخياً، كانت الشهادة السودانية رمزاً للوحدة الوطنية، حيث تجمع الطلاب من جميع الولايات تحت مظلة تعليمية موحدة. لكن الحرب جعلتها تعكس الفجوة بين المناطق. وفقاً لتقرير الجزيرة، فإن إجراء الامتحانات في مناطق الجيش فقط يبرز "ثنائية التعليم والنزاع"، مما يعزز الشعور بالتهميش في المناطق الأخرى. هذا الواقع يتناقض مع قانون 1962 الذي وصف الامتحانات بأنها "مسؤولية قومية" لتحقيق العدالة الاجتماعية.
تأثير الحرمان على الطلاب
إن حرمان آلاف الطلاب من أداء الامتحانات يهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني. فالشهادة الثانوية هي مفتاح الالتحاق بالجامعات، وعدم إجراء الامتحانات في مناطق قوات الدعم السريع يعني تأخراً أكاديمياً قد يمتد لسنوات. كما أن الطلاب في المناطق المتأثرة، مثل الخرطوم، واجهوا ظروفاً قاسية أثناء الامتحانات، بما في ذلك القصف وتحليق الطائرات الحربية، مما زاد من الضغوط النفسية.
جهود الحكومة والمجتمع الدولي
سعت حكومة بورتسودان إلى مواجهة التحديات من خلال تجهيز 38 مركزاً للمعلمين و11 مركزاً للتصحيح. كما ناقشت اللجنة الفنية تعديل مواعيد امتحانات 2024 لتشمل المناطق المستعادة. دولياً، تدعم اليونيسيف جهود إلحاق 20 ألف طالب لاجئ في تشاد بامتحانات 2024. لكن هذه الجهود تبقى محدودة أمام حجم الأزمة، حيث يتطلب الأمر وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
توصيات لاستعادة الوحدة
لمعالجة الانقسام واستعادة الشهادة كرمز للوحدة، ينبغي:
- وقف الحرب: الالتزام بوقف إطلاق النار لتوفير بيئة آمنة للتعليم.
- امتحانات بديلة: تنظيم جلسات خاصة للطلاب في مناطق قوات الدعم السريع.
- إعادة إعمار: تخصيص ميزانيات لإصلاح المدارس المتضررة.
- دعم نفسي: توفير برامج لدعم الطلاب نفسياً وأكاديمياً.
- مناهج موحدة: تطوير مناهج تعزز الوحدة الوطنية.
خاتمة: نحو تعليم موحد
تحولت الشهادة السودانية لعام 2023 من رمز للوحدة إلى مرآة للانقسام في ظل الحرب. فالحرمان الذي عاناه الطلاب في مناطق قوات الدعم السريع يعكس الفجوة الجغرافية والسياسية التي تهدد مستقبل السودان. استعادة الشهادة كرمز للوحدة تتطلب وقف الحرب، وتوحيد النظام التعليمي، ومعالجة التحديات النفسية والاجتماعية. إن مستقبل الشباب السوداني يعتمد على التزام الأطراف بإعادة بناء تعليم عادل وشامل.
0 Comments