Advertisement

Responsive Advertisement

"البرهان يهاجم ثورة ديسمبر: هل تُطفئ البندقية شعلة المقاومة السودانية؟"

خطاب البرهان في بورتسودان: هجوم على ثورة ديسمبر وصراع على الرواية الوطنية

خطاب البرهان في بورتسودان: هجوم على ثورة ديسمبر وصراع على الرواية الوطنية

في الثامن من فبراير 2025، ألقى الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة، خطاباً مثيراً للجدل خلال الجلسة الختامية لمشاورات القوى السياسية والمجتمعية في بورتسودان. جاء الخطاب وسط حرب دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفي ظل انقسامات حادة بين القوى المدنية والعسكرية. تصريحات البرهان، التي هاجمت ثورة ديسمبر 2018 وأعلنت أن "المجد للبندقية فقط"، أشعلت موجة من الغضب والاستقطاب، كاشفة عن صراع عميق على الشرعية والرواية الوطنية في السودان. هذا المقال يستعرض الخطاب، سياقه، دلالاته، وردود الفعل التي أعقبته، مع تقييم تأثيره على مستقبل البلاد.

سياق الخطاب: السودان على حافة الهاوية

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تحول السودان إلى مسرح لأزمة إنسانية وسياسية غير مسبوقة. نزح أكثر من 10 ملايين شخص، وانهارت البنية التحتية، وتفاقمت الأزمات الاقتصادية. اختار البرهان بورتسودان، التي أصبحت مركزاً إدارياً مؤقتاً بعد سيطرة الدعم السريع على أجزاء من الخرطوم، لإلقاء خطابه، في محاولة لتعزيز صورته كقائد يسيطر على الوضع.

ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بنظام عمر البشير، كانت نقطة تحول تاريخية. قادتها لجان المقاومة والقوى المدنية بأساليب سلمية، مثل الإضرابات ("الساتك") والمظاهرات، وأنتجت شعارات قوية مثل "حرية، سلام، عدالة". لكن انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي نفذه البرهان وحميدتي، أوقف العملية الانتقالية، مما أثار غضب الثوار. خطاب البرهان في بورتسودان يعكس استمرار هذا الصراع، حيث يحاول إعادة تعريف الشرعية بعيداً عن إرث الثورة.

مضمون الخطاب: تحقير الثورة وتمجيد السلاح

في خطابه، أعلن البرهان: "ما في مجد للساتك تاني، المجد للبندقية فقط"، في إشارة تحقيرية واضحة للمقاومة المدنية التي شكلت جوهر ثورة ديسمبر. هذه العبارة لم تكن مجرد تعليق عابر، بل محاولة لإعادة صياغة الرواية الوطنية لصالح السلطة العسكرية. البرهان اتهم القوى المدنية، بما في ذلك تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ("تقدم")، بدعم قوات الدعم السريع، ورفض عودة حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً إلى السلطة.

"ما في مجد للساتك تاني، المجد للبندقية فقط" - عبد الفتاح البرهان، بورتسودان، 8 فبراير 2025

اختيار البرهان لمؤتمر يركز على الخدمة المدنية كمنصة للخطاب ليس اعتباطياً. الخدمة المدنية كانت إحدى ساحات المقاومة الرئيسية خلال الثورة، واستهدافه لها يعكس محاولة لتحجيم إرث الثورة. كما أن تمجيد "البندقية" يعكس رؤيته للسلطة، حيث يرى القوة العسكرية كأداة وحيدة لفرض النظام، بعكس المقاومة السلمية التي يعتبرها مصدر فوضى.

ردود الفعل: غضب الثوار وتأييد الموالين

أثار الخطاب موجة من ردود الفعل المتضاربة، كاشفة عن الانقسام العميق في المجتمع السوداني. على منصة X، أطلق الثوار وسم #المجد_للساتك، مؤكدين تمسكهم بمبادئ الثورة. الناشط @NBalameen وصف الخطاب بأنه "كشف عن نوايا البرهان لاستعادة نظام عسكري"، بينما هاجم @zuhair196044 البرهان، معتبراً أنه "يفتقر إلى الشرعية السياسية". عبارة "المجد للثوار الأحرار"، التي انتشرت على نطاق واسع، عكست تحدي الثوار لخطاب البرهان.

في المقابل، أبدى مؤيدو الجيش تأييداً للبرهان. المستخدم @YASIR_MOS91 عبر عن استغرابه من هجوم البرهان على حلفائه بينما يتودد لمن يدعمون "التمرد"، بينما اعتبر @HkZuk أن الخطاب وضع ملامح مرحلة ما بعد الحرب، مشيراً إلى أن البرهان أغلق الباب أمام المؤتمر الوطني وقوى الحرية والتغيير. هذه الردود تظهر استقطاباً حاداً بين من يرون البرهان قائداً للسيادة ومن يعتبرونه تهديداً لمكتسبات الثورة.

تصريحات البرهان ضد المؤتمر الوطني و"تقدم" أثارت جدلاً إضافياً. صلاح مناع، القيادي في حزب الأمة القومي، وصف البرهان بـ"الكاذب"، راداً على اتهاماته لـ"تقدم" بدعم الدعم السريع. هذه الاتهامات، كما أشار تقرير لراديو دبنقا، تهدف إلى تحجيم خصوم البرهان السياسيين، لكنها قد تعزز من عزلته.

التحليل: صراع على الرواية الوطنية

خطاب البرهان ليس مجرد هجوم على ثورة ديسمبر، بل محاولة لإعادة كتابة التاريخ السوداني من منظور عسكري. بتمجيده للبندقية، يسعى البرهان لتكريس الجيش كمركز للشرعية، متجاهلاً إرث الثورة السلمية. المحلل محمد سليمان، في حديث لراديو دبنقا، أشار إلى أن البرهان "ينسف حقيقة الثورة"، محاولاً فرض رواية تعيد مركزية الجيش كرمز للوطنية.

الخطاب يحمل رسائل متعددة: تهديداً للقوى المدنية، تأكيداً على شرعية الجيش في مواجهة الدعم السريع، ومحاولة لإظهار قوة أمام المجتمع الدولي. لكنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية. هجوم البرهان على الثورة يعزز انطباع أنه يسعى لاستعادة نظام عسكري شبيه بحقبة البشير، مما قد يفقده الدعم الشعبي والدولي. كما أن رفضه للمؤتمر الوطني، رغم اعتماده السابق على بعض عناصره، يثير تساؤلات حول مصداقيته.

التأثير على المستقبل: إطالة الحرب وإحياء الثورة

خطاب البرهان يقلل من فرص الحوار الوطني. المحلل حريكة، في تصريح لراديو دبنقا، أشار إلى أن البرهان يغلق الباب أمام التسوية السياسية بإعلانه أنه لن يتحدث إلا بعد انتهاء الحرب، معتبراً نفسه "المنتصر". هذا الموقف يطيل أمد الحرب ويعقد جهود الوساطة الدولية، مثل مبادرة دول الجوار.

ومع ذلك، أعاد الخطاب إحياء الزخم الثوري. ردود الفعل على X، مثل "المجد للثوار الأحرار"، تظهر أن روح الثورة لا تزال حية. لكن الظروف الحالية، مع النزوح وتفكك البنية الاجتماعية، تجعل تنظيم المقاومة صعباً. الخطاب قد يحفز القوى المدنية لإعادة ترتيب صفوفها، لكنه يتطلب جهوداً مضاعفة لمواجهة الهيمنة العسكرية.

خاتمة: بين البندقية وإرادة الشعب

خطاب البرهان في بورتسودان يكشف عن صراع وجودي على هوية السودان. بينما يسعى البرهان لتكريس سلطة البندقية، يتمسك الثوار بروح الثورة السلمية. تصريحاته، التي تحقر من إرث ديسمبر، أججت الانقسامات، معززة من عزلته بينما تحيي روح المقاومة. مستقبل السودان يعتمد على قدرة القوى المدنية على استعادة الزخم، ومدى استعداد البرهان للتراجع عن خطابه المتشدد. في النهاية، يظل السودان معلقاً بين رؤيتين: واحدة تعتمد القوة، وأخرى تؤمن بإرادة الشعب.

Post a Comment

0 Comments