Advertisement

Responsive Advertisement

هل تعود تركيا إلى ساحة الوساطة؟ لقاء أردوغان والبرهان بأنطاليا يعيد إحياء الأمل في السلام بالسودان

 



فرص المبادرة التركية لحل الأزمة السودانية: هل يعيد لقاء أنطاليا إحياء جهود الوساطة وإنهاء الحرب؟


بقلم: [Nasreldin yousif]


في ظل التصعيد المستمر في السودان، والأزمة الإنسانية المتفاقمة جراء الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تبرز المبادرة التركية مجددًا كأحد أبرز المسارات الدبلوماسية الممكنة لتحقيق انفراجة سياسية. يأتي ذلك بعد لقاء رفيع المستوى جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي، حيث أعلنت أنقرة عن التزامها الكامل بدعم جهود إعادة الإعمار وتطبيع الأوضاع في السودان.


لقاء أنطاليا.. أمل جديد في ظل صراع مستمر


في 1 أبريل 2025، شهدت مدينة أنطاليا التركية لقاءً مهمًا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني. اللقاء، الذي جاء على هامش أعمال المؤتمر الدبلوماسي بأنطاليا، أعاد تسليط الضوء على المبادرة التركية التي سبق وأن طُرحت لحل الأزمة السودانية المتفاقمة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.


الرئيس أردوغان شدد خلال اللقاء على "أهمية الحفاظ على وحدة أراضي السودان وسيادته"، مؤكدًا أن أنقرة ملتزمة بدعم السودان في مرحلة ما بعد النزاع، من خلال المساهمة في جهود إعادة الإعمار وتطبيع الحياة العامة. وبحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فإن اللقاء تناول "العلاقات الثنائية بين تركيا والسودان، إلى جانب قضايا إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك".


عودة المبادرة التركية إلى الواجهة


ليست هذه المرة الأولى التي تبدي فيها تركيا اهتمامًا مباشرًا بالأزمة السودانية، فقد سبق وأن عرضت أنقرة وساطتها بين طرفي النزاع السوداني، مستندة إلى علاقات تاريخية مع الخرطوم، تمتد منذ الحقبة العثمانية وتعمقت خلال العقدين الأخيرين مع توسع النفوذ التركي في إفريقيا.


وتعتمد المبادرة التركية على عدة مرتكزات أساسية، أبرزها:


1. الاعتراف الكامل بشرعية الدولة السودانية ومؤسساتها السيادية.



2. الوساطة النشطة بين الجيش السوداني والدعم السريع على قاعدة وقف دائم لإطلاق النار.



3. إطلاق عملية سياسية شاملة تضم القوى المدنية والمجتمعية.



4. مساهمة تركية في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية والخدمات.




لكن المبادرة لم تجد طريقها للتنفيذ حتى الآن، بسبب تعقيدات المشهد السياسي السوداني، والخلافات الإقليمية المتشابكة، لاسيما بين تركيا والإمارات، اللاعبَين الرئيسيين في الساحة السودانية.


العقدة الإماراتية.. هل تُفك عبر بوابة أنقرة؟


من أبرز العوائق أمام تفعيل المبادرة التركية، هو التوتر بين أنقرة وأبو ظبي حول الأدوار الإقليمية في السودان، إذ تتهم دوائر سودانية الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بينما يُنظر إلى تركيا كداعم للجيش السوداني والمؤسسات السيادية. هذا التباين خلق "حربًا باردة" دبلوماسية داخل الأزمة السودانية نفسها.


لكن ثمة إشارات إلى تقارب تركي-إماراتي متجدد في ملفات إقليمية عدة، قد تفتح الباب أمام تنسيق مشترك في السودان، أو على الأقل "تحييد التناقضات" مؤقتًا، بما يسمح بإعطاء الفرصة للوساطات. وقد يكون لقاء أنطاليا نقطة انطلاق لهذا التفاهم، خصوصًا إذا تبعته خطوات عملية من أنقرة في التنسيق مع الرياض والقاهرة، الفاعلين الأهم إقليميًا.


الموقف السوداني الرسمي.. ترحيب مشروط


من جانب الجيش السوداني ومجلس السيادة، هناك ترحيب واضح بالمبادرة التركية، خاصة لما تتمتع به تركيا من ثقل اقتصادي وعلاقات ثنائية متينة مع المؤسسات السودانية منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير وحتى اليوم. كما أن أنقرة تُعد من الدول القليلة التي أبقت على تمثيل دبلوماسي نشط في الخرطوم رغم الحرب.


لكن في المقابل، تُشدد القيادة السودانية على ضرورة أن "لا تكون الوساطات منصة لتبييض المليشيات"، في إشارة إلى الدعم السريع. أي أن أي وساطة، بما في ذلك التركية، ينبغي أن تنطلق من اعتراف واضح بشرعية الجيش السوداني كممثل للدولة، وهو ما تحرص أنقرة على تأكيده.


مقومات نجاح المبادرة التركية


لتنجح المبادرة التركية في تحريك المياه الراكدة، تحتاج إلى:


1. دعم إقليمي واضح من السعودية ومصر.



2. قبول نسبي من الإمارات أو على الأقل عدم تعطيلها للمساعي التركية.



3. انفتاح من الطرفين السودانيين على وساطة غير غربية، بخلاف المبادرة الأمريكية-السعودية المجمدة (مباحثات جدة).



4. مشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي كضامنين.




وتملك تركيا أدوات عدة للمناورة، بما في ذلك استثمارات مباشرة في السودان، وعلاقات قوية مع النخب السياسية والمدنية السودانية، إضافة إلى خبرتها في الوساطات في ليبيا وسوريا، وهي عوامل قد تسهل بناء الثقة.


ردود الفعل الدولية.. ترقب حذر


حتى الآن، لم يصدر موقف رسمي من واشنطن أو بروكسل حيال اللقاء التركي-السوداني، لكن مراقبين يشيرون إلى أن الغرب ينظر بعين الريبة إلى تنامي الدور التركي في إفريقيا، خصوصًا حين يكون على حساب النفوذ الفرنسي أو الأمريكي التقليدي. ومع ذلك، فإن فشل المبادرات الغربية، لا سيما "مباحثات جدة"، يفتح الباب أمام قبول غير مباشر بالدور التركي كـ "وسيط بديل".


الفرصة الأخيرة؟


تأتي هذه التطورات في لحظة حرجة للغاية. فالسودان يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث نزح أكثر من 10 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا، وتفشى الجوع، وانحدر الاقتصاد إلى مستويات قياسية من الانهيار. وفي ظل انسداد أفق الحل السياسي، يُنظر إلى أي مبادرة ذات طابع "غير غربي" بوصفها فرصة قد تكون الأخيرة.


هل ينجح لقاء أنطاليا في إحياء المسار السياسي؟


من السابق لأوانه الجزم بمآلات المبادرة التركية، لكنها بلا شك أعادت طرح السودان على الطاولة الدولية، وفتحت ثغرة في جدار الصمت الإقليمي والدولي. فلقاء أنطاليا ليس مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل هو "إعلان نوايا" قد يتبعه حراك فعلي، إذا توفرت الإرادة السياسية من جميع الأطراف.


قد يكون التحدي الأكبر هو توحيد المبادرات المتفرقة في مسار سياسي واحد، يمنع تعدد الوساطات من أن يتحول إلى صراع مصالح. وهنا، يمكن لأنقرة أن تلعب دور المنسق، خصوصًا إذا ما سعت لتقريب وجهات النظر بين السودان والإمارات، أو على الأقل كبح التصعيد الإعلامي بينهما.


خاتمة: هل تفتح تركيا بوابة السلام السوداني؟


الفرص لا تزال قائمة. فتركيا، بعلاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف، وموقعها الجيوسياسي، وأدواتها الاقتصادية، تملك من المؤهلات ما يمكنها من لعب دور محوري. لكن النجاح مرهون بتعاون إقليمي ودولي حقيقي، وبقبول سوداني شامل لأي مسار يُعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة، وليس فقط على حسابات القوة والسلاح.


وفي انتظار خطوات عملية تتجاوز التصريحات، يظل لقاء أنطاليا بمثابة "اختبار نوايا" أولي، يمكن أن يتحول إلى نقطة تحول إذا التُقطت اللحظة بالذكاء السياسي اللازم.


الكلمات المفتاحية ( Keywords):


الأزمة السودانية


المبادرة التركية


لقاء البرهان وأردوغان


تركيا والسودان


إعادة الإعمار في السودان


دور الإمارات في السودان


الحرب في السودان


مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي


العلاقات التركية السودانية


جهود الوساطة الدولية




---


المصادر:


1. وكالة الأناضول التركية الرسمية - دائرة الاتصال في الرئاسة التركية



2. تصريحات رسمية عن لقاء أردوغان والبرهان في أنطاليا – أبريل 2025



3. تقارير الأمم المتحدة حول الأزمة السودانية – مكتب الشؤون الإنسانية (OCHA)



4. تحليل مركز ستراتفور الأمريكي – يناير 2025



5. تقرير الأزمات الدولية (International Crisis Group) حول السودان – مارس 2025



6. تقارير إعلامية من قناة الجزيرة، فرانس 24، وبي بي سي عربي


Post a Comment

0 Comments