صعوبات العمل والعيش تهدد حياة ملايين السودانيين في مصر
وبورتسودان وتحديات العودة وتفشي الجريمة
مقدمة
تمر السودان اليوم بإحدى أعقد وأشد الأزمات في تاريخها الحديث، إذ بات ملايين السودانيين يواجهون واقعاً مريراً يهدد معيشتهم وحياتهم اليومية في الداخل والخارج. النزاعات المسلحة التي اجتاحت العاصمة الخرطوم وامتدت إلى ولايات أخرى دفعت موجات ضخمة من النزوح إلى مناطق مثل بورتسودان والولاية الشمالية، وإلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر.
ومع تفاقم الأزمة، تزايدت التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه هؤلاء النازحين. فالنازحون الذين فروا من الخراب في مدن مثل أم درمان والخرطوم بحري وشرق النيل وسنجة، وجدوا أنفسهم في بيئات جديدة لا تقل صعوبة عن تلك التي تركوها خلفهم. يتكبدون عناء البحث عن العمل والمأوى، بينما تلاحقهم مخاطر انعدام الأمن وانتشار الجريمة وغياب الاستقرار.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الواقع الأليم الذي يعيشه السودانيون في مناطق النزوح، ونستعرض أبرز التحديات التي تواجه العائدين من مصر أو من بورتسودان إلى مناطقهم الأصلية.
الواقع المأساوي للسودانيين في بورتسودان ومصر
في بورتسودان، المدينة التي أصبحت مركزاً رئيسياً للنازحين من ولايات السودان المختلفة، تبدو الأوضاع كارثية بكل المقاييس. فقد تحولت الخيام والمخيمات العشوائية إلى ملاذ أخير للآلاف من الأسر التي هجرت منازلها هرباً من ويلات الحرب. ولكن بدلاً من الأمان، وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة تحديات جديدة، مثل ندرة الوظائف، وتدهور الخدمات، وغياب الدعم المستدام.
الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة للسودانيين الذين فروا إلى مصر. آلاف الأسر السودانية تقيم حالياً في ضواحي القاهرة والمدن الكبرى، حيث تواجه صعوبات في الحصول على فرص عمل مناسبة، خصوصاً في ظل القيود القانونية وعدم الاعتراف ببعض الشهادات أو الخبرات. يعيش هؤلاء النازحون في ظروف قاسية، إذ يعاني الكثير منهم من الفقر المدقع، بينما يُثقل كاهلهم ارتفاع تكاليف المعيشة والإيجارات.
يقول أحد النازحين في مصر: "كنا نعتقد أن الهروب إلى الخارج سيكون بداية جديدة، لكننا وجدنا أنفسنا أمام جدران من المعاناة والبطالة". ووسط هذا الواقع، يكافح السودانيون للبقاء على قيد الحياة، في ظل محدودية الموارد وضعف شبكات الدعم الاجتماعي.
تهديدات غياب الأمن وتفشي الجريمة
أحد أخطر التحديات التي تواجه النازحين في بورتسودان ومناطق النزوح الأخرى هو غياب الأمن وتفشي الجريمة. في ظل الانهيار شبه الكامل لمؤسسات الدولة، باتت السرقات وجرائم السطو والاعتداءات المسلحة جزءاً من الحياة اليومية.
في المخيمات والمراكز العشوائية، تتكرر حوادث اقتحام الخيام وسرقة ما تبقى من متعلقات النازحين، بينما تنتشر العصابات المسلحة التي تستغل ضعف السيطرة الأمنية. يقول أحد النازحين في بورتسودان: "حتى ما تبقى لنا من أمل في الأمان أصبح في مهب الريح. لا ننام ليلاً خشية السطو أو الاعتداء".
غياب الأمن أثر بشكل مباشر على النساء والأطفال، الذين أصبحوا الأكثر عرضة للاستغلال والعنف. فالنساء، على وجه الخصوص، يعانين من التحرش وتهديدات مستمرة أثناء محاولتهن تأمين احتياجات أسرهن اليومية. في المقابل، تسجل السلطات المحلية تصاعداً ملحوظاً في جرائم السرقات والاعتداءات، دون أن تملك القدرة الكافية على مواجهتها وسط نقص حاد في الموارد البشرية والمعدات.
دمار البنية التحتية في مناطق النزوح
إلى جانب المخاطر الأمنية، يعاني النازحون أيضاً من انهيار شبه كامل للبنية التحتية الأساسية. في بورتسودان والولاية الشمالية ومدن أخرى مثل دنقلا وكريمة، توقفت العديد من الخدمات الحيوية عن العمل، أو تعمل بطاقتها الدنيا.
مراكز الصحة في المخيمات تعاني من نقص شديد في الأدوية والكوادر الطبية، ما يزيد من معاناة المرضى الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج في العيادات الخاصة. كما تعطلت المدارس، وحُرم آلاف الأطفال من التعليم بسبب غياب الفصول والمعلمين.
شبكات المياه والصرف الصحي في حالة مزرية، حيث يعتمد معظم النازحين على مصادر مياه غير نظيفة، مما أدى إلى تفشي أمراض مثل الإسهال والتيفوئيد. ويعيش السكان في خيام بلا كهرباء أو وسائل تكييف، وسط ارتفاع درجات الحرارة بشكل يفاقم من معاناة الأطفال وكبار السن والمرضى.
معاناة أهالي الجزيرة وبحري وشرق النيل وأم درمان وسنجة
المأساة الكبرى يعيشها سكان ولايات مثل الجزيرة وبحري وشرق النيل وأم درمان وسنجة، الذين اضطروا للنزوح إلى الولاية الشمالية أو بورتسودان أو حتى إلى مصر. هؤلاء النازحون يواجهون تحديات معيشية هائلة، تبدأ من صعوبة توفير الغذاء والماء وتنتهي بغياب التعليم والرعاية الصحية.
في مناطق مثل حلفا، دنقلا، الدبة، كريمة، مروي، وقشابي، تزداد الأوضاع سوءاً مع توافد المزيد من النازحين، ما يزيد الضغط على الموارد القليلة المتاحة أصلاً. وعلى الرغم من محاولات بعض المنظمات تقديم المساعدات، إلا أنها لا تكفي لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة.
0 Comments