استهداف العزبة.. بين رواية الأمن وحقيقة الانتهاكات في الهامش السوداني
في ظل الحرب المستمرة التي اندلعت في أبريل الماضي بالسودان، تتزايد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وخصوصاً بحق المجموعات السكانية المستضعفة في مناطق الهامش، والتي تعاني من ويلات الصراع المسلح والتصفيات العرقية. عمليات القتل خارج نطاق القانون الدولي الإنساني باتت مشهداً متكرراً في مدن مثل مدني، الحاج يوسف، سنجة، وأخيراً في منطقة العزبة بوسط الخرطوم بحري، حيث تصاعدت موجة العنف ضد أصحاب البشرة السمراء وسكان دارفور وكردفان، الذين يُعرفون في الأوساط الشعبية بـ"سكان الحزام الأسود" ويستوطنون أطراف الخرطوم وأحيائها الهامشية.
حملة أمنية أم عملية ممنهجة؟
أعلن الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة، العميد فتح الرحمن محمد التوم، عن تنفيذ حملة أمنية وصفها بـ"الناجحة" في منطقة العزبة، تهدف - حسب قوله - إلى تجفيف بؤر الجريمة وإزالة "الظواهر السالبة"، بمشاركة القوات المشتركة. وأكد التوم أن الحملة أسفرت عن إزالة عدد من المساكن العشوائية التي وُصفت بأنها أوكار للشبكات الإجرامية، بالإضافة إلى فتح الطرقات الرئيسية التي كانت مغلقة.
لكن في المقابل، يواجه هذا السرد الرسمي تشكيكاً واسعاً من قبل منظمات حقوقية ونشطاء، يرون أن ما جرى في العزبة يتجاوز كونه مجرد حملة أمنية إلى كونه جزءاً من سياسات ممنهجة تستهدف الفئات المهمشة والفقيرة، خصوصاً أولئك الذين ينحدرون من دارفور وكردفان والولايات الغربية.
العنف في الخرطوم، عمليات الشرطة السودانية.
استهداف عرقي؟
منذ بداية الحرب، لوحظ تصاعد لافت في الانتهاكات التي تطال أصحاب البشرة السمراء، حيث أبلغت تقارير حقوقية عن حالات متعددة من الاعتقالات العشوائية، التهجير القسري، والاعتداءات التي تتخذ طابعاً عرقياً في العديد من مناطق العاصمة والأقاليم. ويأتي ما حدث في العزبة ليزيد من مخاوف السكان الذين يرون أن ما يُسمى بـ"إزالة المساكن العشوائية" هو في واقع الأمر تطهير ممنهج للمناطق التي يسكنها أبناء الهامش السوداني.
أصوات رافضة ومخاوف متصاعدة
استهداف دارفور وكردفان، التطهير العرقي في السودان
وتعليقاً على هذه الأحداث، عبّر عدد من سكان العزبة عن رفضهم لما وصفوه بـ"الاستهداف غير المبرر"، مؤكدين أن الحملة لم تميز بين الأبرياء والمشتبه بهم، مما أدى إلى تشريد عشرات الأسر التي لجأت إلى الخرطوم هرباً من النزاعات في دارفور وكردفان.
وتزايدت الأصوات الداعية إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في ما جرى، لمعرفة ما إذا كانت هذه العمليات الأمنية تتماشى مع المعايير الدولية، أم أنها تنطوي على انتهاكات تهدف إلى إعادة رسم خارطة السكان في العاصمة وفقاً لمحددات إثنية أو جغرافية.
الحرب في السودان، العزبة الخرطوم بحري،
سؤال معلق
وسط هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال الأهم: هل باتت الحملات الأمنية واجهة جديدة لسياسات التطهير العرقي والإقصاء التي ظلت تعاني منها مناطق الهامش لعقود؟ أم أن الخرطوم، بكل أطيافها، لا تزال رهينة لصراع تتقاطع فيه خيوط السياسة والهوية والتمييز الطبقي؟
في النهاية، يبقى ضحايا هذه السياسات هم الفقراء والمهمشون الذين يتوزعون بين معسكرات النزوح وحدود المدن الكبرى، بانتظار عدالة قد لا تأتي في القريب العاجل.
0 Comments